فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والمراد به في الآية أنهم يتشاءمون بموسى ومن معه فاستعمل التطير في التشاؤم بدون دلالة من الطير، لأن قوم فرعون لم يكونوا ممن يزجر الطير فيما علمنا من أحوال تاريخهم، ولكنهم زعموا أن دعوة موسى فيهم كانت سبب مصائب حلت بهم، فعبر عن ذلك بالتطير على طريقة التعبير العربي.
والتشاؤم: هو عد الشيء مشؤومًا، أي: يكون وجوده سببًا في وجود ما يُحزن ويضر، فمعنى {يَطَّيّرُوا بموسى} يحسبون حلول ذلك بهم مسببًا عن وجود موسى ومن آمن به وذلك أن آل فرعون كانوا متعلقين بضلال دينهم، وكانوا يحسبون أنهم إذا حافظوا على إتباعه كانوا في سعادة عيش، فحسبوا وجود من يخالف دينهم بينهم سببًا في حلول المصائب والإضرار بهم فتشاءموا بهم، ولم يعلموا أن سبب المصائب هو كفرهم وإعراضهم، لأن حلول المصائب بهم يلزم أن يكون مسببًا عن أسباب فيهم لا في غيرهم.
وهذا من العَماية في الضلالة فيبقون منصرفين عن معرفة الأسباب الحقيقية، ولذلك كان التطير من شعار أهل الشرك لأنه مبني على نسبة المسببات لغير أسبابها، وذلك من مخترعات الذين وضعوا لهم ديانة الشرك وأوهامها.
في الحديث: «الطيرة شرك» وتأويله أنها: من بقايا دين الشرك، ويقع بعد فعل التطير باء، وهي باء السببية تدخل على موجب التطير، وقد يقال أيضًا: تطير من كذا.
وعطفُ {ومن معه}، أي: من آمنوا به، لأن قوم فرعون يعدون موجب شُؤم موسى هو ما جاء به من الدين لأنه لا يُرضي آلهتهم ودينهم، ولولا دينُه لم يكن مشؤومًا كما قال ثمود {قد كنت فينا سرجوا قبل هذا} [هود: 62].
و{ألا} حرف استفتاح يفيد الاهتمام بالخبر الوارد بعده.
تعليمًا للأمة، وتعريضًا بمشركي العرب.
والطائر: اسم للطير الذي يُثار ليتيمن به أو يتشاءَم، واستعير هنا للسبب الحق لحلول المصائب بهم بعلاقة المشاكلة لقوله: {يطيروا} فشبه السبب الحق، وهو ما استحقوا به العذاب من غضب الله بالطائر.
و{عند} مستعملة في التصرف مجازًا لأن الشيء المتصرف فيه كالمستقر في مكان، أي: سبب شؤمهم مقدر من الله، وهذا كما وقع في الحديث: «ولا طيْرَ إلا طَيْرُك» فعبر عما قدره الله للناس «بطير» مشاكلة لقوله: «ولا طَيْر» ومن فسر الطائر بالحظ فقد أبعد عن السياق.
والقصر المستفاد من {إنما} إضافي أي: سوء حالهم عقابٌ من الله، لا من عند موسى ومن معه، فلا ينافي أن المؤمنين يعلمون أن سبب حلول المصائب بأهل الشرك المعاندين للرسل، هو شركهم وتكذيبهم الرسل: يعلمون ذلك بأخبار الرسل، أو بصدق الفراسة وحسن الاستدلال، كما قال أبو سفيان ليلة الفتح لما هداه الله «لقد علمتُ أن لو كان معه إله آخر لَقد أغنَى عني شيئًا».
فأما المشركون وأضرابهم من أهل العقائد الضالة، فيسندون صدور الضرر والنفع إلى أشياء تقارن حصول ضر ونفع، فيتوهمون تلك المقارنة تسببًا، ولذلك تراهم يتطلبون معرفة حصول الخير والشر من غير أسبابها، ومن ذلك الاستقسام بالأزلام كما تقدم في سورة العقود.
وجملة {ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون} معترضة ولذلك فصلت، والاستدراك المستفاد من {لكّن} عما يوهمه الاهتمام بالخبر الذي قبله لقرنه بأداة الاستفتاح، واشتماله على صيغة القصر: من كون شأنه أن لا يجهله العقلاء، فاستدرك بأن أكثر أولئك لا يعلمون.
فالضمير في قوله: {أكثرهم} عائد إلى الذين {قالوا لنا هذه} وإنما نفي العلم عن أكثرهم تنبيهًا على أن قليلًا منهم يعلمون خلاف ذلك ولكنهم يشايعون مقالة الأكثرين. اهـ.

.قال الشعراوي:

{فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ}.
والحسنة إذا أطلقت فهي الأمر الذي يأتي من ورائه الخير. ولكن الحسنة مرة تكون لك، ومرة تُطْلَب منك، فالحسنة التي لك في ذاتك أولًا أن تكون في عافية وسلام، ثم الحسنة في مقومات الذات ومقومات الحياة، وهي في النبات، والحيوان، والخصب والثروة. والحسنة المطلوبة منك هي أيضًا لك. فسبحانه يطلب منك عمل شيء يورِّثك في الآخرة حسنة، ولذلك يقول سبحانه: {مَن جَاءَ بالحسنة فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا...} [الأنعام: 160].
وهذه هي الحسنة التي تعطي الإِنسان خيرًا فيما بعد. إذن فالحسنة التي في ذاتك من عافية وسلامة أو في مقومات الذات من ثمرات وحيوانات وخصب وأعشاب وثراء فكلها موقوتة بزمن موقوت هو الدنيا. والحسنة الثانية غير محدودة لأن زمنها غير محدود. فأي الحسنات أرجح وأفضل بالنسبة للإِنسان؟. إنها حسنة الآخرة.
وقوله الحق: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الحسنة} أي جاء لهم قدر من الخصب والثمار وغير ذلك من الرزق يقولون: {لنا هذه} أي أننا نستحقها؛ فواحد يقول: أنا أستحقها لأنني رتبت لها وأتقنت الزراعة والحصاد مثلما قال قارون: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ على علم عندي...} [القصص: 78].
وأجرى عليه الحق التجربة، فمادام يدعي أنه جاء بالمال على علم من عنده فليجعل العلم الذي عنده يحافظ له على المال أو يحافظ له على ذاته. وهم قالوا عن الحسنات التي يهبها الله لهم: {قالوا لنا هذه} أي نستحقها، لأننا قدمنا مقدمات تعطينا هذه النتائج. وجرت العادة قديمًا بأن يفيض النيل كل سنة يغمر الأرض، ثم يبذرون الحب وينتظرون الثمار. فإن جاءت لهم سيئة مثل أخذهم الله لهم بالسنين ينسبون ذلك لموسى. {... وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بموسى وَمَن مَّعَهُ ألا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ الله ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 131].
فإذا ما جاءتهم سيئة يطَّيَّرون أي يتشاءمون لأن الطيرة هي التشاؤم، وضده التفاؤل، ويقال: فلان طائره نحس، وفلان طائره يمن وسعد. وقديمًا حينما كانوا يريدون طلب مسألة ما، يأتون بطير ويضعه صاحب المسألة على يده ويزجره ويثيره، فإن طار يمينًا فهذا فأل حسن، وإن طار يسارًا فهذا فأل سيئ، والحق هنا يوضح: لا تظلموا موسى، لأن شؤمكم أو حظكم السيئ ليس من موسى؛ لأن موسى لا يملك في كون الله شيئًا، وإنما المالك للكون هو رب موسى. وكأن الحق يريدهم أيضًا ألا يفتنوا في موسى إن صنع شيئًا يأتي لهم بخير، وهنا يقول لهم لا تتطيروا بموسى، لأن طائركم من عند الله.
ولأن أحداث الحياة صنفان: حدث لك فيه مدخل، مثل التلميذ الذي لم يذاكر ويرسب، أو إنسان لا يحسن قيادة سيارته فقادها فعطبت به أو أصاب أحدًا إصابة خطيرة، وهنا لا غريم لهذا الإِنسان، بل هو غريم نفسه.
وهناك شيء يقع عليك، واسمه حدث قهري، فالإِنسان في الأحداث بين أمرين اثنين: إما مصيبة دخلت عليه من ذات نفسه لتقصيره في شيء. وإمَّا أحداث قدرية تنزل بالإِنسان ونقول إنها من عند الله لحكمة لا يعرفها الإِنسان؛ لأن الإِنسان ينظر إلى سطحيات الأشياء، وإلى عاجل الأمر فيها، ولكنه لا ينظر إلى عاقبة الأمر. ولهذا تحدث له بعض من الأحداث ليس له فيها مدخل.
مثال ذلك: أن يكون للإِنسان ابن نجيب وذكي وترتيبه دائمًا من العشرة الأوئل، ثم جاء في ليلة الامتحان أو في يوم الامتحان وأصابه صداع جعله لا يعرف كيف يجيب عن أسئلة الامتحان ورسب، وهذه مصيبة ليس له مدخل فيها.
وعادة ما يحزن الناس من مثل هذه المصائب لكن المؤمن يقول: إن الولد لم يقصر، وهذا أمر جاء من الله، وسبحانه منزه عن العبث، بل حكيم ولابد أن له حكمة في مثل هذه الأمور. وبعد مدة تتبين الحكمة، فلو كان الولد قد نجح لأصابته عين الحسود. وحدث له ما يكره، فكأن الله يصنع له تميمة يحميه بها من الحسد. وقديمًا حين كانوا يصنعون للطفل الجميل فاسوخة، ولا يهتمون بنظافته ولا بملابسه، لماذا؟ يقال حتى لا تتجه إليه عين العائن الحاسد.
وأقول: وما الذي يدرك أن الله سبحانه وتعالى صنع الحادث الطارئ ليرد عنه العين، ويُسكت الناس عنه؟ وما الذي يدريك أن الله أراد له أن يرسب هذا العام لأنه لم يكن يستطيع الحصول على المجموع الذي يدخله الكلية التي يريدها، ثم يستذكر في العام التالي وتكون المذاكرة سهلة بالنسبة له، ونقول له: احمد ربك على أنك لم تنجح في العام السابق وأن الله أراد بك خيرًا.. لتبذل جهدًا وتنجح وتنال المجموع الذي أردته لنفسك.
إذن فالمقادير التي تجري على الناس بدون دخل لهم فيها، فلله فيها حكمة، وهنا يقال: {طَائِرُهُمْ عِندَ الله}، أما إن كان للإِنسان دخل فيما يجري له فيقال: طائرك من عندك أنت وشؤمك من نفسك وعصيانك. {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الحسنة قَالُواْ لَنَا هذه وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بموسى وَمَن مَّعَهُ ألا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ الله ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 131].
ألم يتطير اليهود في المدينة برسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قالوا: قلت الأمطار وارتفعت الأسعار من شؤم مجيء هذا الرجل، ولم يتفهموا حكم الله. لقد كانوا سادة في الجزيرة؛ لأنهم أهل علم بالكتاب وسيطروا على حركة السوق التجارية، وتعاملوا في الربا وتجارة السلاح وكان عندهم الحصون، والأسلحة، وأراد الله أن يشغلهم بأخذ شيء من أسبابهم ويهد كيانهم ليلفتهم إلى أنهم خرجوا عن المنهج إلى أن هناك رسولًا قد جاء بعودة إلى المنهج.
وقوله الحق: {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} يفيد أن هناك قلة تعلم. فما موقف هذه القلة، ولماذا لم يرفضوا موقف الكثرة؟. كان موقفهم هو الصمت خوفًا من الطغيان؛ لأن الطاغية أجبرهم وقهرهم وجعلهم يسكتون ولا يعترضون على باطل، ونرى في حياتنا كثيرًا من الناس يعلمون الزور ويعلمون الطغيان ولكنهم لا يتكلمون. اهـ.

.التفسير المأثور:

{فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (131)}.
أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {فإذا جاءتهم الحسنة} قال: العافية والرخاء {قالوا لنا هذه} ونحن أحق بها {وإن تصبهم سيئة} قال: بلاء وعقوبة {يطيروا بموسى} قال: يتشاءموا به.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {ألا إنما طائرهم} قال مصائبهم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {ألا إنما طائرهم عند الله} قال: الأمر من قبل الله.
أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله: {ألا إنما طائرهم عند الله} يقول: الأمر من قبل الله، ما أصابكم من أمر الله فمن الله بما كسبت أيديكم. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قرأ عيسى بنُ عُمَرَ: وطلحةُ بنُ مصرف {تَطَيَّروا} بتاءٍ من فوق على أنَّهُ فعلٌ ماضٍ وهو عند سيبويه وأتباعه ضرورةٌ.
إذ لا يقعُ فعل الشَّرْطِ مضارعًا، والجزاء ماضيًا إلاَّ ضرورةً، كقوله: [الخفيف]
مَنْ يَكِدْنِي بِسَيِّىءٍ كُنْتُ مِنْهُ ** كالشَّجَى بَيْنَ حَلْقِهِ والوريدِ

وقوله: [البسيط]
إن يَسْمَعُوا سُبَّةً طَارُوا بِهَا فَرحًا ** مِنِّي وما يَسْمَعُوا مِنْ صالحٍ دَفَنُوا

وقد تقدَّم الخلافُ في ذلك.
والتَّطير: التَّشاؤُم، وأصلُهُ، أن يُفَرَّق المالُ ويطير بين القوم فيطير لِكُلِّ أحدٍ حظَّه، ثمَّ أطلق على الحَظِّ، والنَّصيب السَّيِّىء بالغَلبَةِ.
وأنشدوا للبيد: [الوافر]
تَطِيرُ عدائِدُ الأشْرَاكِ شَفْعًا ** وَوِتْرًا والزَّعَامَةُ لِلْغُلامِ